من ينظر في ديباجة "ميثاق الأمم المُتحدة" وفي الموادّ المنصوص عليها في الفصل السابع منه، يتَضح له جلياً أن هذه المنظمة الدوليّة تمتلك العديد من الصّلاحيات للتّدخُّل في الصراعات والنزاعات والعمل على إخمادِها وفضِّها من خلال الوسائل التي مَنحها إيّاها ميثاقُها الذي يُعتبر عهْداً قطعَتهُ الدول المنضوية تحت لوائها على نفسها وأقرَّتْهُ كي يسريَ على جميع دول العالم.

ومن المُلاحَظ أنّ ما جاء في ديباجة "الميثاق" يسعى إلى نَبذ العُنف ومنع الحروب التي تذهَب ضحيتها شعوب العالم، واستخلاص العبرة من ويْلات الحربيْن العالميّتيْن الأولى والثانية، وقد خلَّفتا الملايين من الأشخاص بين قتيل وجريح ومعطوب. وتعدّى "الميثاق" ذلك إلى العمَل من أجل الرّقي بجميع دول العالم في جميع المَجالات الاقتصادية والاجتماعيّة وغيرها، والاهتمام بشعوب العالم والرفع من مستواها وجعلها تعيش حياةً كريمة تسودها العدالة الاجتماعيّة والحريّة والحقوق.

والواقع اليوم يقول عكس ما قاله "ميثاق الأمم المتحدة"، حيثُ انتشرت الحروب وامتدّت واستشرَت في ربوع العالم، وأدّت إلى إبادة العديد من الشعوب كما خلّفت الملايين من الجرحى والمعطوبين وقادت إلى تشريد الملايين من الأشخاص من بيوتهم ومن أوطانهم، ونَشر المجاعة في العديد من البلدان وتدمير وتخريب العديد من الحضارات.

وعند النّظر إلى الدول التي انتهكت ولا تزال تنتهك "ميثاق الأمم المتحدة"، نجد للأسف أنها الدول المُنشِئَة والمؤسِّسة لِهيْئَة "الأمم المتحدة"، والتي تملك حقّ النقض داخل مجلس الأمن. فهذه الدول قد أخلّت بالعهد ونقضته، وتعتبر أنّ هذه "الهيئة الدولية" هي ملكٌ لها تتصرّف فيها حسب مصالحها، تارةّ بِاستخدام "الفيتو" لإلغاء ما تمّ التصويت عليه من قبل دول العالم الأعضاء في "المجلس"، وتارةً بِتحدّي قراراته و تضربُها عرض الحائط.

إقرأ أيضاً: يَقتُلُ المَيِّت ويَمشي في جنازتِه!

لقد قامت مُعظم دول الغرب باحتلال دول ذات سيادة واستعمرتها، حيث أقامت فيها لعقودٍ عديدة تصول فيها وتجول، تَنهبُ ثرواتها وخيراتها الطبيعيّة من معادن مختلفة وفسفاط ونفط وغاز وغيرها بالإضافة إلى استغلالها للأراضي الفلاحيّة الشاسعة الواسعة، حيثُ أنشأت فيها ضيعات عديدة فيها من كلِّ الثمرات.

لقد فرضت سيطرتها على هذه البلدان وقامت بقمع كل الحركات الشعبيّة المُقاوِمة لها، فأعدمت منها الملايين من الأشخاص وعذَّبت الملايين في سجونها السحيقة.

إقرأ أيضاً: دليلك إلى مجازر إسرائيل

ونذكر من هذه الدول الاستعماريّة الغاشمة على سبيل المثال لا الحصر كلّاً من أميركا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال...

لقد عملت الدول المُؤسسة للأمم المتحدة والمُصادِقة على ميثاقها بأبشع الجرائم ضدّ الشعوب البريئة ولا تزال تقترف المزيد منها وبذرائع واهية لا أساس لها من الصحّة، لقد شاركت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في حروب همجية ضد الشعوب، في أفغانستان وفي العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال وغيرها... لقد تمّ تخريب وتدمير هذه البلدان تدميراً لم يشهد التاريخ له مثيلاً، أبادت الأطفال والنساء والشيوخ بِمِئات الآلاف ودمَّرت بنيتها التحتيّة، فأرجعتْها مِئات السنين إلى الوراء، وعمدت إلى إذكاء نيران الحروب الأهلية فيها وخلقت فيها فوضى عارِمة بُغيةَ إبقائها رازِحةً تحت براثِن التخلّف إلى الأبَد.

إقرأ أيضاً: المجتمع الدولي وشريعة الغاب

وها نحن نشاهد اليوم تكالُب هذه الدول الاستعماريّة البغيضة على الشعب الفلسطينيّ، من خلال دَعمِها اللّامشروط واللّامحدود للكيان الإسرائيلي بالمال والسلاح واللّوجيستيك من أجل إبادة جماعيّة لشعب أعزل بريء، لقد أبادت إسرائيل ما لا يقِلّ عن 34 ألف فلسطينيّ وجَرحت أكثر من 75 ألف شخص منهم، جُلُّهم من الأطفال والنساء والعجزة، بالإضافة إلى تدمير وتخريب بنيان غزة بالكامل، ولا تزال الحرب الهمجية على المواطنين المدنيّين مُستمِرّة إلى اليوم ودون توقُّف.

"الأمم المُتّحدة" هيئة دوليّة في ظاهِرِها ولكن في باطِنِها مُؤسّسةٌ أميركيّةٌ غربيَّةٌ لا قرارَ مُستقِلّاً لها، تأتمِرُ بأوامِر الدول المُؤَسِّسة لها بعد الحرب العالميّة الثانية وتنْتَهي بِنواهيها، وما انتهاك القوانين الدوليّة وإفراغ قرار محكمة العدل الدوليّة من مُحتواه حول حرب إسرائيل على الشعب في غزة وإبادتُها الجماعيّة للمواطنين العُزَّل إلّا دليلٌ قاطِعٌ على البناء الشّكلي والمَظْهَريّ لِما يُسمّى "الأمم المتحدة" و"مجلس الأمن".