ليست من المبالغة القول إن زمن طاغية البعث كان يعبر عن أعماق الجحيم السياسي، فقد عاش العراق واحدة من أكثر الفترات المؤلمة والمأساوية في تاريخه. كانت الأوضاع السياسية والاجتماعية مليئة بالقهر والقمع والتعذيب، وعانى الشعب فيها بشكل عام، لكن للشيعة حصة الأسد من هذه المعاناة، ويأتي الكورد من بعدهم، فعاشوا دوامة من الاضطهاد والظلم، على يد صدام حسين ونظام البعث البائد.

كان الحكم ينتقل بالشيعة العراقيين من حربٍ إلى أخرى.. أولاً مع إيران التي استمرت ثمانية أعوام، فكانت واحدة من أكثر الحروب دموية وتدميراً في التاريخ الحديث، ومن المؤسف أن الشيعة كانوا الهدف الأساسي لنظام صدام حسين في هذه الحرب، وقد تم إجبار العراق على دخول هذه الحرب، واستُخدم الشيعة كأداة في محرقة بلا رحمة، كما تعرضوا لأبشع أشكال القتل والتعذيب، وطالت الحرب كل من يتخلف عن الذهاب للقتال، وتم قمع صوتهم، وتجويعهم وتشريدهم، بهدف التخلص منهم، وتثبيت دعائم السلطة الدكتاتورية.

بعدها جاءت حرب الكويت عام 1990، فترك النظام الشيعة في عرض الصحراء، تحت مرمى نيران الطيران الأميركي، ثم تعرضوا لإبادة جماعية، وارتكبت جرائم ضد الإنسانية بحقهم، فلم يهتم نظام صدام حسين بحياة الشيعة، بل رأى فيهم عدواً يجب القضاء عليه.

ثم عندما وقعت انتفاضة عراقية عام 1991 وشملت المدن الشيعية والكوردية لتعبر عن رفض الموت البطيء الذي يعانون منه، وبعد الضوء الأخضر من أميركا، ودخول الطيران الحربي والمدفعية ضد الشعب الأعزل، قتلوا وأبيدوا بكل قسوة، وليساهم هذا بإنهاء الانتفاضة مبكراً، فدخلت قوات صدام حسين المدن بكل وحشية وعنف، وتم قتل المدنيين وتعذيبهم وتهجيرهم، ولم يكن هناك مكان آمن للشيعة والكورد في بلدهم الأم، فسجون البعث البشعة كانت تحتضن آلاف السجناء الشيعة، وكانت أدوات التعذيب المروعة تستخدم بلا رحمة ضدهم، فتم قطع أطرافهم وتعذيبهم بأبشع الوسائل.

إقرأ أيضاً: سوق سوداء لحرية الرأي؟

كان الهدف الأساسي لنظام البعث المجرم هو القضاء على الشيعة لأنهم شيعة.. لا أكثر.

تعرضوا للاضطهاد الديني والطائفي، وتم استهدافهم بسبب معتقدهم الديني، فكانت أبسط حقوقهم الأساسية مهددة وتم التلاعب بحياتهم وحرياتهم الشخصية.

لم يتوقف البعث عند هذا الحد، فقد مرَّ الشعب بفترة المجاعة والحصار، وعانى المجتمع الشيعي العراقي بشكل كبير جراء سياسات الطاغية صدام، عندما فُرض حصار اقتصادي وعقوبات قاسية على العراق، مما أدى إلى نقص حاد في الموارد الضرورية والسلع الأساسية، فتضرر الشيعة بشكل خاص من هذه الأوضاع، وتفاقمت معاناتهم وتدهورت ظروف حياتهم، وعانوا من نقص في الغذاء والدواء والخدمات الصحية، وعاشوا في فقر مدقع ومعاناة لا يمكن وصفها.

إقرأ أيضاً: على أعتاب الانتصار

كل هذه الآلام التي عاشتها أمهات الجنوب، رسمت الحزن على خارطة وجوههن.. فبعدما فقدن أبناءهن في مقابر البعث الجماعية لحزب البعث المجرم، وعندما كانت هناك أمهات ينتظرن أبناءهن بلا أمل، ورؤيتهم يعودون أحياء كان أمراً مستحيلاً، لم تعرف تلك الأمهات سوى معنى الألم والحزن والبكاء، ولم يكن لهن سوى أنين النعي كأنيس على أمل رؤية سقوط هذا النظام، فكان تاريخ 9 نيسان (أبريل) 2006 هو أسعد يوم بتاريخ الشيعة، حيث رسم حبل المشنقة على رقبة الطاغية صدام أجمل لوحات الأمل بحياة جديدة.