كنت في طريقي لإعداد استطلاع موسع بعنوان «المسيحيون في القدس»، وما يتعرضون له من حملات تهجير وهجمة منظمة على أملاكهم وعقاراتهم في القدس الشرقية. هذا العمل كان بمبادرة من الصديق حسن جعجع مدير الجمعية العربية لحماية الطبيعة والمقيم في الأردن، وهو العارف تماماً، وبشراكة مع السيدة رزان زعيتر بحكم علاقتهما ومتابعاتهما لما يجري على الأرض؟ شاءت الظروف أن تتعثر الاتصالات إلى أن وقع زلزال السابع من أكتوبر 2023 في غزة، مما أدى إلى نسيان الملف إلى حين ينجلي غبار المعارك المستمر منذ ذاك الوقت. اليوم نعيد تسليط الضوء على قضية تتعلق بمصير القدس ومصير المسيحيين فيها بشكل خاص، والفلسطينيين بشكل عام. الصراع على هذه المدينة المقدسة يتخذ طابعاً خاصاً، نظراً لرمزيته الدينية بالدرجة الأولى، والراصد لما يجري على الأرض من عمليات تهويد ومصادرة أراض وكنائس، ووضع اليد على عقارات تعود إلى الروم الأرثوذكس والأرمن وغيرهم من الطوائف، يدرك مخاطر تفريغ المدينة من أحد بُناتها الأساسيين وهم المسيحيون. القدس يسكنها حوالي 12 ألف مسيحي من إجمالي مسيحيي فلسطين البالغ 300 ألف تقريباً، منهم 51 في المئة يتبعون الروم الأرثوذكس، والباقي يتوزع على 7 كنائس. مصادرة العقارات من قبل شركات غربية وسماسرة لم تتوقف، تساندها حكومات إسرائيل المتعاقبة، والهدف واحد، كيف تجعل من القدس يهودية خالصة؟ وهنا بيت القصيد. السؤال هل تنجح إسرائيل بتحقيق ذلك؟ وهنا أشاطر الزميل أسامة الرنتيسي صاحب جريدة «الأول نيوز» الأردنية، بالقول إن «التفريغ» لم يطل فقط القدس، بل في بعض البلدان العربية وأقرب مثال ما فعله «داعش» وغيره، فهؤلاء، أي المسيحيون العرب، هم ملح الأرض. بالأمس وأقصد منذ أشهر تعرض الحي الأرمني في البلدة القديمة من القدس الشرقية، وهو واحد من الأحياء الأربعة الأساسية لعملية «قرصنة» عقارية مشبوهة تهدد الحي، لكنها لم تنجح. يسرائيل شاحاك كشف وجه إسرائيل الحقيقي في كتابه «التاريخ اليهودي: مسيرة 3 آلاف عام» بشأن نظرتها إلى غير اليهود، ليتبين له، أنها لا تقل فظاعة عما تدعو إليه النازية خصوصاً ضد المسيحيين، ويلفت النظر إلى أن التلمود يأمر اليهود بحرق أي نسخ من العهد الجديد تقع في أيديهم. شخصية دينية، أرثوذكسي، عربي، هو بحكم المولد مقدسي بالأساس، يطلق صرخة «نحن نعاني من حصار كبير»، والمسألة لها بُعد وطني قبل أن يكون دينياً، فضلاً عن كون البطريركية الأورشليمية المقدسة تمتد على كل فلسطين وشرق الأردن. صارت القدس اليوم محكومة بمنظومة قانونية إسرائيلية أطبقت على كل مناحي الحياة فيها ثم تطويعها بحيث إن ما يمكن السيطرة عليه يذهب لمصلحة التهويد. صحيح أن القدس كما غيرها في فلسطين أصبحت «وحيدة» في المواجهة لكنها مازالت الرقم الصعب، وعلى حد تعبير رجل الدين المسيحي، فإن كل عقار ينطق بالعربي مهدد بالشراء أو الإغلاق أو التهجير. لم يعد البقاء داخل القدس سهلاً، فالحكم يبقى للمستوطن المسعور، والجيش المحتل والمرابط... وخاصة «قطعان مسعورة» بالمتطرفين اليهود الذين يبادرون إلى البصق عند مرور رجال الدين المسيحيين... مبررين ذلك بأنه تقليد يهودي عتيق ومحمود!