برحيل الدكتور محمد بن إبراهيم الماجد، أحد أشهر استشاريّي طب الألم والتخدير في بلاده، فقدَ القطاع الطبي بالسعودية، أحد أمهر المتخصصين في مجال «التخدير وعلاج الألم»، بعد سنوات طويلة كانت تمتلئ عيادته في مستشفى الملك خالد الجامعي بالرياض، بالعشرات من المرضي الذين كان يعالجهم عن طريق الإبر أو غرف العمليات، إذ كان يشارك في تخفيف الألم من خلال التخدير ليصل الألم إلى درجة الصفر ثم يُجري العمليات.
نجح الماجد في تحقيق حضور لافت في «علاج الألم»، سواء في العيادات أو العمليات الجراحية التي تتطلب التخدير. وقاد تجربة من خلال تطبيق تخصص طبي حديث (علاج الألم) في علاج كثير من الحالات التى أجراها في مستشفى الملك خالد الجامعي، حيث عمل متفرغاً لعدة سنوات فيه، بالإضافة إلى عمله متعاوناً أو استشارياً غير مقيم في مستشفى «دله»، ومدينة الأمير سلطان الإنسانية، وحقق نجاحات لافتة في تطبيق هذا التخصص الجديد على مراجعي عياداته في المنشآت الطبية الثلاث.
حضرت عند الدكتور الراحل الماجد من خلال التخصص الطبي الحديث (علاج الألم)، ما يعرف بـ«الإشراق الداخلي الغريب»، عندما يتنبأ بعض الأشخاص بقرب نهايته، وقد تمثلت هذه الحالة في كثير من الشعراء وعباقرة الألم والإبداع، في بذرة وجودهم، وكان الشاعر طرفة بن العبد هو النموذج الأهم عند الدكتور الماجد، حيث أسقط الدكتور الماجد ذلك على حياة الشاعر الجاهلي صاحب المعلقة الشهيرة، من خلال تتبع آلامه التي رواها في معلقته بأبيات مؤثرة وبلغة عاطفية رائعة.
عاش الدكتور محمد الماجد الذي حصل على شهادة الدكتوراه من إحدى أعرق كليات الطب في كندا قبل عقدين، حياة هادئة، جمع فيها بين مهنته استشارياً ماهراً، وبين حياته الأسرية، وعلاقاته مع أقاربه والأصدقاء والمحبين وزملاء العمل، وتمكَّن من تحقيق نجاح في علاج حالات كثيرة بالتخصص الجديد (علاج الألم والتخدير). عشق مهنته طبيباً، من خلال عملة في عدة مستشفيات بالرياض، حيث يقيم، وكان قارئاً نهماً في تخصصه ويتابع كل المستجدات فيه، ويسرق وقت فراغه للقراءة ليضع متاعب العمل والألم بين دفتَي دواوين الشعر وكتب الأدب والفلسفة والشعر الفصيح والشعبي وأجاد في الجمع بين المشتركات بينهما.
وفي وداع مؤثّر عصر اليوم في الرياض، حضر العشرات من أسرة وأقارب وأصدقاء ومحبي الراحل بمسجد المهيني، لتأدية صلاة الجنازة عليه، ثم مواراته الثرى في مقبرة بالرياض، ولفت النظر حضور بعض الأطباء في المسجد وعند المقبرة بـ«البالطو الطبي»، إما لانشغالهم بالعمل ثم المشاركة في الصلاة والدفن، وإما «ترميزاً»، لما قدمه الراحل من حضور وتفرد في علاج الحالات التي مرَّت عليه خلال ركضه في مضماره الطبي الذي عشقه، حتى سقط وتوقف قبل أن يصل إلى نهايته.