ليست المرأة في مسعىً للعزلة أو التمرد على هويتها أو مجتمعها، كذلك ليست أداةً أو معولاً ذاتياً لهدم الوطن أو بيد الآخر للغرض ذاته، وإنما هي نهضة ومشروع وطن، ومسعى طموح ومشروع للنهوض بواقعها ومجتمعها الذي لا يمكنها ولا لأي إمرأة الانعزال عنه، وذلك هو المنطق الذي يجب إدراكه والتعاطي معه؛ فوصف نهضة المرأة بمعول الهدم الاجتماعي والمساعي الانعزالية عن الهوية هو في حقيقته مسعى لإحكام قيود مظلوميتها واستمرار معاناتها.

معاناة المرأة الموريتانية والأفريقية لا تزيد كثيراً عن معاناة غيرها من النساء في العالم العربي والإسلامي سوى أن لها خصوصية تاريخية، إذ تأثرت بحقبة العبودية التي اجتاحت أفريقيا، وتأثرت بها موريتانيا التي عمق فيها الاستعمار والقوى الرجعية فكر وممارسات العبودية، ومع أن الدستور قد ألغى العبودية رسمياً في موريتانيا، إلا أن المشوار طويل للانتقال من التشريع إلى التطبيق من خلال نهضة فكرية يتبناها أهل الفكر والثقافة في موريتانيا بعون السلطة التنفيذية وليس الحكومة وحدها.

نعم قد يكون تحرك المرأة الموريتانية في نهضتها ثورة على طريق الانعزال عن الواقع؛ ولكن أي واقع هذا الذي نقصده وهي متمسكة بأعرافها وقيمها النبيلة وهدفها النهوض بالمجتمع والحفاظ على وحدة وطنها وتماسكه وحمايته مما قد يتخلله من المؤامرات الهدامة، ولا يكون ذلك إلا من خلال نشر الوعي والعدل وقيم التراحم في ربوعه.

قد يتناسى البعض من الذين يعادون نهضة وتطور المرأة أنها، شأنها شأن الرجل، هي نتاج هذا المجتمع تربت وترعرعت فيه، وأن ما هي عليه من وهن ومعاناة ينبع من واقع المجتمع الذي يحتفل بعيد الأم في جانب ويضطهدها في جوانب أخرى، ومن أفراد المجتمع من يتعسف بحق المرأة دون حرج طالما أنها ليست من أهلهم، ومنهم من يتعسف بحق النساء حتى وإن كنَّ من أهله، وهذا إن دل فإنما يدل على وجود خلل اجتماعي يتناقض مع حقائق هويتنا وعقيدتنا، وقد خرجنا عنهما ثم أقبلنا نتهم المرأة بالخروج والمسعى نحو الهدم، وتناسينا أن الأم مدرسة إن أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.

كرم الإسلام المرأة وهو بريء مما تعانيه المرأة، ولا تسعى المرأة الحرة الساعية لامتلاك أمرها وصلاح حالها وحال أسرتها إلى المساس بالإسلام، بل تدعو المدعين باسم الإسلام أن يتقوا وينصفوا أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم وبنات جوارهم؛ ومن الدول والشعوب ضحايا الادعاء والشعارات الفضفاضة حيث تشاركنا النساء فيها معاناة مماثلة لمعاناة المرأة لدينا أو أشد وطأة معاناة المرأة في العراق واليمن وسوريا وفلسطين كامتداد لما وقع من معاناة فُرِضت على المرأة الإيرانية منذ عقود طوال تحت مسميات خاوية من المعنى سواء في مرحلة ما قبل عام 1979 أو المرحلة القائمة اليوم في دولة ذات حضارة تاريخية وليست بالفقيرة، وما يبعث على الأمل ويثير إعجابنا هو نضال المقاومة الإيرانية داخل وخارج إيران، الأمر الذي جعل من نضال المرأة الإيرانية نموذجاً يُقتدى به.


تظاهرة في موريتانيا مناهضة للعبودية التي ألغيت من النصوص لكنها ما زالت شائعة في التطبيق

الإنسان هو الإنسان أينما كان، مجبولٌ بالفطرة على الخير، لكن محيطه الاجتماعي هو الذي يقوم بإعادة جبله من جديد على ما هو سائد، مستغلاً ظروفه وحاجته، فيتم استغلاله سوء الاستغلال حد الاستعباد وليس بالضرورة أن يكون مملوكاً وإنما تملكه الظروف والحاجة وجهل وبغي الآخر وانصراف المجتمع إلى مشاغل الحياة اليومية الشخصية بعيداً عن الصالح العام، والتي في الغالب لا تكون إلا لتلبية قوت اليوم ومتطلبات المعيشة أو تنمية الأمور الخاصة لدى المقتدرين..، وعندما تكون المرأة وهي الشق الآخر المكون للمجتمع البشري رهينة ما يُفرض عليها من واقع حال وسوء وتردي ظروفها المعيشية وموروثات تاريخية خاطئة لا زالت قائمة.. أو أن تبعاتها في أهون الأمور لا زالت تُطبِق على رقاب وصدور المجتمع وخاصة المرأة؛ عندها كيف لها.. للغالبية منهن أن يتحررن أو أن يبنين رجلاً حراً لا يضطهد الإنسان لجنسه وعرقه وعقيدته الدينية والفكرية ولونه ومنطقته ومستواه الاجتماعي.

العلة ليست في الإسلام ولا في التشريع الوضعي، وإنما في الممارسة وفي عدم استعداد الشق الآخر في المجتمع للنهوض بذاته من خلال الارتقاء ببناته ليصبحن أمهات صالحات يبنين مجتمعا أفضل ومستقبلاً مزدهراً وآمناً.

الإصلاح والبناء مسؤولية الجميع، مسؤول وغير مسؤول، مع الفارق في حجم المسؤوليات الملقاة على عاتق كل فرد أو جماعة، سواء في موريتانيا في بلدان أخرى.