يبدو أنَّ ملامح الحرب الشاملة تلوح في الأفق، حيث أصبحت منطقة الشرق الأوسط مسرحًا للصراع العسكري من كافة الحدود والاتجاهات، بعد تأزم الأوضاع في البحر الأحمر، أحد أهم شرايين الملاحة الدولية، والذي تستخدمه السفن لنقل البضائع إلى مختلف دول العالم. فمنذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023، شهد البحر الأحمر تصاعدًا غير مسبوق في التوترات العسكرية، حيث شنت مليشيات الحوثيين سلسلة من الهجمات بطائرات مسيرة وصواريخ باتجاه إسرائيل، واستهدفت السفن التجارية والعسكرية في المنطقة، ضمن ما يسمى الحرب بالوكالة ضد إسرائيل.

ما قامت به ميلشيا الحوثي من عمليات تستهدف دولة الاحتلال الإسرائيلي، والسفن العابرة للبحر الأحمر نال استحساناً وقبولاً من جانب البعض، ممن يرون وجوب ردع إسرائيل، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه العمليات تعد وسيلة مثلى للضغط على الولايات المتحدة والغرب من أجل التدخل لوقف جرائم الإبادة الجماعية في غزة، ولكن رد الفعل الأميركي جاء مغايرًا، ولم ترضخ الولايات المتحدة لتهديدات الحوثيين، وأعلنت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي عن إطلاق عملية "حارس الازدهار"، وهو تحالف عسكري دولي يهدف إلى حماية البحر الأحمر من هجمات الحوثيين، وتم تنفيذ ضربات ضد أهداف للحوثيين داخل اليمن.

ويرى الغرب أن ميليشات الحوثي أصبحت تمثل تهديدًا دولياً صارخًا، نظرًا لوجودها في أحد أهم الممرات المائية الاستراتيجية. فالهجمات والهجمات المضادة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، قد لا يكون لها عواقب طويلة المدى على التجارة العالمية فحسب، بل قد تتصاعد أيضًا بسرعة إلى حرب إقليمية أوسع، وتشكيل تحالف عسكري بقيادة الولايات المتحدة ردًا على هجمات الحوثيين قد يشير إلى وجود مصالح أميكية أكبر من مجرد تأمين السيطرة على البحر الأحمر، الذي أدركت واشنطن أهميته منذ عقود.

ولا يمثل الوضع الراهن خطورة على المستوى الإقليمي والدولي فقط، بل يهدد اليمن الذي أصبح ملاذاً للتنظيمات المسلحة، ويعاني من أزمات سياسية، وسيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة على البحر الأحمر، هو فصل دموي في الحرب الأهلية اليمنية، أرست الأساس للقدرات العسكرية الحالية للحوثيين، وقد تكون هجمات الحوثيين الحالية جزءًا من استراتيجية تعزيز سلطتهم السياسية في اليمن، خاصة في ظل المفاوضات الأخيرة لإنهاء الحرب رسميًا.

ولا شك أن النوايا الخبيثة للولايات المتحدة، التي تحاول أن تقنع العالم بضرورة ردع الحوثيين للحفاظ على سلامة السفن وأمن إسرائيل، والتي ضخمت هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر سعيًا لشرعية دولية تهدف إلى عسكرة المنطقة والسيطرة على واحد من أهم الممرات المائية في العالم، وهو ما ينذر بتوسيع الحرب لتصبح حربًا إقليمية واقتصادية في ذات الوقت، تتمثل في المواجهة المتأخرة بين الدول الغربية والعملاق الاقتصادي الصيني ومبادرته "الحزام والحرير" وعلى حليفته روسيا أيضاً.

ومع احتدام الصراع، حاولت قيادات الحوثيين التهدئة عبر بيانات وتصريحات تفيد أن الملاحة في البحر الأحمر آمنة للسفن التجارية العالمية، ما عدا السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، وأن استهداف السفن الإسرائيلية مشروع ونابع من واجب إنساني وإسلامي تجاه ما يحدث للفلسطينيين في قطاع غزة من حرب شاملة أسفرت عن سقوط آلاف الشهداء والجرحى، وأن الأمر لن يتوقف على استهداف السفن فقط، إذ سبق للحركة أن تبنت الدخول في الحرب إلى جوار قطاع غزة وبدأت باستهداف ميناء إيلات الإسرائيلي بالعديد من الصواريخ البالستية والمجنحة والطائرات المسيرة، بدءًا من يوم 19 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حين أعلن البنتاغون اعتراض المدمرة "يو إس إس كارني" شمال البحر الأحمر لها، معلناً سقوط أو إسقاط صواريخ فوق أراضي بعض دول الجوار.

لم يتوقف الأمر على استهداف السفن الإسـرائيلية فقط، فقد قامت الحركة باحتجاز السفينة "غالاكسـي ليدر"، ومهاجمة سفن إسـرائيلية أخرى، وأعلنت منع مرور جميع السفن من جميع الجنسيات المتوجهة من وإلى الموانئ الإسرائيلية، إذا لم يسمح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة.

ولم تصمت الولايات المتحدة أمام ذلك، ووجهت ضربات بالتحالف مع بريطانيا، استهدفت مواقع عسكرية يمنية، ويأتي الرد الحوثي بإعلانه أن جميع المصالح الأميركية والبريطانية أصبحت أهدافًا مشـروعة؛ وواجه الحوثيون اتهامات سياسية بأنهم يسعون من وراء استهداف السفن لكسب تعاطف شعبي عربي وإسلامي، ومن أجل الهروب من التزاماتهم تجاه الشعب اليمني، المتمثلة في تحقيق السلام الدائم بين اليمنيين. ويدفع الشعب اليمني ثمن الصراع القائم، الذي بات مهددًا في كل لحظة بحرب قد تتسبب في تدمير ما تبقى من "اليمن السعيد"، الذي أصبح يعيش على مفترق طرق.