أوقع قرار انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، الذي أُعلن عنه الأحد، مفاجأة واسعة النطاق، رغم بذل الحكومة الإسرائيلية والجيش قصارى جهدهما للتأكيد على أنه ليس له أهمية كبيرة.

ولكن بالنسبة للعالم الذي شاهد شدة القصف الإسرائيلي، فإن فكرة وجود لواء واحد فقط متبق الآن في القطاع بأكمله تبدو وكأنها تشير إلى تحول كبير في الحرب.

وصادف إعلان انسحاب القوات الإسرائيلية ذكرى مرور ستة أشهر كئيبة، منذ أن أدى الهجوم الذي قادته حماس على إسرائيل إلى إشعال هذه الحرب الأخيرة والأكثر دموية في الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.

وقال متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، آفي هيمان، للصحفيين في اليوم التالي: "لا تحللوا الأمر كثيراً".

وأكد هيمان على مدى قصر المسافات في قطاع غزة، وأن القوات الإسرائيلية ستظل قادرة على اتخاذ أي إجراء تعتبره ضرورياً، مع أو بدون قوات متمركزة داخل غزة.

وفي محاولة لإثبات الفكرة التي قالها هيمان، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه نفذ غارة جوية "قضى" فيها على أحد كبار نشطاء حماس، حاتم الغمري، والذي أعلنت حكومة حماس أنه رئيس بلدية المغازي.

لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية استجابت بشكل مختلف تماماً.

إذ ربط المراسل الدبلوماسي، أرييل كاهانا، لصحيفة إسرائيل هيوم اليمينية المقروءة على نطاق واسع، انسحاب القوات بالضغط على الحكومة الإسرائيلية للموافقة على اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس في الجولة الأخيرة من المحادثات.

وكتب قائلاً: "إن الأسباب الرسمية التي قدمها المتحدثون الرسميون الإسرائيليون لوقف الحرب كانت ذات طبيعة عملية، ولكن كل شخص ذكي يستطيع أن يرى أن التوقيت ليس من قبيل الصدفة. وقبل المحادثات الحاسمة، كان الاستسلام الإسرائيلي يهدف - دون ذكر ذلك صراحة - إلى إرسال إشارة إلى حماس، وأن إسرائيل كانت متعاونة للغاية معها من وجهة نظرها".

وكان بن كاسبيت في صحيفة معاريف الأكثر وسطية أكثر قوة في تفسيره لهذه الخطوة.

"وذكر قائلاً "إذا سألت نتنياهو (وقد سُئل)، فقد تم ذلك للتحضير للعملية الموعودة في رفح... هناك تفسير ثان، وهو تفسير تم نشره في جميع أنحاء العالم بكل لغة ممكنة. وبهذا الحساب، ويرتبط انسحاب الفرقة 98 من خان يونس بمحادثات صفقة الرهائن".

وأضاف بن كاسبيت "أفادت وسائل إعلام جادة في جميع أنحاء العالم أن المحادثة بين الرئيس بايدن ورئيس الوزراء نتنياهو كانت مثيرة. لقد دفع بايدن نتنياهو إلى فهم أنه لم يكن على بعد خطوة من النصر، بل على بعد خطوة من التدمير النهائي للتحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة".

وواصل نتنياهو تصعيد لهجته بشأن رفح - في العلن على الأقل- قائلاً إنه تم تحديد موعد للعملية.

أما وزير دفاعه، يوآف غالانت، فقد كان أكثر دقة، حيث قال للمجندين في الجيش إن الوقت الآن "مناسب" لعقد صفقة مع حماس.

لكنه أكد أن وقف إطلاق النار لن يكون نهاية الحرب، مضيفاً "ستكون هناك قرارات صعبة وسنكون مستعدين لدفع الثمن من أجل استعادة الرهائن ومن ثم العودة إلى القتال".

ومن المرجح أن يستمر القتال، كما يقول غالانت، لكن الشكل الذي يتخذه قد يتغير بشكل كبير. ومع تزايد الانتقادات للطريقة التي دارت بها الحرب من جانب الولايات المتحدة، أقوى حليف لإسرائيل، يبدو أن سحب القوات في غزة يهدف على الأرجح -جزئياً- إلى إرسال إشارة لإدارة بايدن أن إسرائيل تستمع إلى مخاوفها بشأن سقوط ضحايا من المدنيين واستهداف المدنيين، ونقص المساعدات الذي يهدد الحياة.

إن إنهاء عمليات القصف التي حولت المدن إلى أنقاض، كما رأينا في أحدث الصور من خان يونس، قد يقطع شوطاً طويلاً في استعادة الدعم المخلص المعتاد لإسرائيل من واشنطن.

لكن هذا الأمر سيتم اختباره مرة أخرى بلا شك، فيما إذا كانت "العمليات المستقبلية" التي يقول الجيش الإسرائيلي إن القوات تحصل على الراحة استعداداً لها تعني هجوماً واسع النطاق على رفح، حيث تعتقد إسرائيل أن القوات العسكرية المتبقية لحماس تتمركز الآن، حيث يعيش أكثر من مليون فلسطيني أغلبهم من النازحين.

بناية مدمرة في خان يونس
Getty Images
تحول جزء كبير من مدينة خان يونس إلى أنقاض بعد قتال عنيف

وربما يكون هناك اعتقاد لدى الحكومة الإسرائيلية والجيش بأن عدداً كبيراً من هؤلاء السكان، المحصورين في ملاجئ بالكاد تعمل، قد يبدأون في العودة إلى منازلهم الآن بعد رحيل الجزء الأكبر من القوات الإسرائيلية.

لكن ما وجده الفلسطينيون عند عودتهم إلى خان يونس هو الدمار الشامل، حيث تحول العديد من منازلهم إلى أنقاض.

لقد وصفوا كيف أصبحت ثاني أكبر مدينة في قطاع غزة الآن غير صالحة للعيش، ولا تصلح حتى للحيوانات، كما قال البعض. لذا فإن حدوث نزوح جماعي كبير من رفح، قد لا يكون أمراً مطروحاً، والذي من شأنه أن يجعل أي عملية إسرائيلية ضد حماس أقل احتمالاً، درءاً للتسبب في حصيلة كارثية جديدة من الضحايا المدنيين.

لكن "العمليات الإضافية" قد تتعلق أيضاً بالصراع على الجبهة الشمالية لإسرائيل مع حزب الله في لبنان. وقد ظلت تلك المواجهة تتصاعد باطراد منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. وهناك مخاوف من أنها قد تصبح أكثر حدة، في أعقاب الضربة الإسرائيلية المشتبه بها في دمشق والتي أسفرت عن مقتل العديد من كبار القادة في الحرس الثوري الإيراني القوي الأسبوع الماضي.

ويربط حزب الله اللبناني مع إيران تحالف وثيق، وتتعهد الخطابات الصادرة من إيران بالانتقام. وقال الجيش الإسرائيلي مؤخراً إنه عزز بشكل كبير قيادته الشمالية؛ لذا، ربما يكون هذا أيضاً قد لعب دوراً في انسحاب القوات من غزة.

ومهما كانت الدوافع الحقيقية - ومن المرجح أنها تنطوي على عدد من العوامل المتشابكة - فمن غير المرجح أن يقترب التدخل العسكري الإسرائيلي في غزة من نهايته، حيث أظهر مقاتلو حماس بالفعل قدرتهم على إعادة تجميع صفوفهم في مناطق تعرضوا فيها لهجمات عنيفة من قبل الجيش الإسرائيلي.