الذين يحبون البيوت، ويرون أن أجمل أوقاتهم هي تلك التي يقضونها فيها، سواء كانوا بمفردهم مستمتعين بوحدتهم، أو بصحبة أسرهم وأصدقائهم، هؤلاء وأنا واحدة منهم، يسعون دوماً لتأمين منازلهم ويشعرون بحزن كبير عندما تتعرض بيوتهم لأي نوع من التخريب أو الدمار أو الفقد. إن أقسى ما يمكن أن يمر بهؤلاء الذين يحبون ويثمنون قيمة البيت أن يفقدوه لأي سبب من الأسباب.

لوالدتي علاقة حساسة وحميمة ببيتنا الذي شهد إقامتنا فيه سنوات طويلة، هو ليس المنزل الأول، ولا حتى الثاني، ونحن قد تنقلنا بين بيوت عديدة قد استقر بنا الحال في منزلنا الحالي، لكن البيت الذي ارتبطت به كثيراً، والذي يحملها الحنين إليه فتذهب لتتفقده بين فترة وأخرى، وتقضي فيه أياماً هو البيت الذي شهد طفولة إخوتي وشبابهم وتخرجنا من الجامعات وزواج بعضهم بل وسكنهم فيه، هو البيت الذي شهد زواج أول الأبناء، وولادة أول الأحفاد، وهو البيت الذي توفي فيه والدي وتراكمت في جنباته كل الذكريات.

إنه بيت العائلة فعلاً، بيتنا الذي يذكرني بأغنية فايزة أحمد الشهيرة (بيت العز يا بيتنا) والتي تقول فيها:

بيت العز يا بيتنا، على بابك عنبتنا

لها خضره وضليلة، بترفرف على العيلة

لا توجد شجرة عنب على مدخل بيتنا بالتأكيد، لكن والدتي زرعت على مدخل البيت شجرة مانجو هندية تحولت بعد عدة سنوات لشجرة ضخمة ومثمرة، يأتي بعض الهنود ليقطفوا ثمارها الخضراء لاستخدامها في بعض أطباقهم، وحين يقولون لأمي تقول رحم الله امرأً زرع شجرة فانتفع الناس بظلها وثمرها، هذا البيت الذي غادرناه منذ 18 عاماً لا يزال يسكن قلب والدتي ويهيج حنينها، وأنا أشبه أمي في خصلة الحنين للبيت.

أحب البيوت الواسعة، الفسيحة، البيضاء، ذات النوافذ الكبيرة، لأنها تملأ البيت بالضوء وتمنحه الاتساع الذي يمنحني الكثير من الهدوء والراحة، لذلك لا يمكنني الحياة في بيوت ضيقة، ولا بيوت ينعدم فيها الزرع، ولقد أورثتني أمي حب الزراعة، حتى أنني لو تخيلت لوالدتي وظيفة في حياة سابقة لقلت بأنها كانت صاحبة مشتل تبيع فيه الورود والنباتات!