أَعلنت هيئة الانتخابات في السنغال عن فوز مرشّح المعارضة بسيرو ديوماي فاي في انتخابات الرئاسة بحصوله على 54,28 بالمائة من الأصوات في الجولة الأولى.

فيما عادت نسبة 35,79 في المائة منها لمرشح الائتلاف الحاكم أمادو با، وكان من المفترض أن تجري الانتخابات على جولتين، ولكنّ حصول الفائز على أكثر من 50 في المئة يلغي الحاجة إلى جولة ثانية، ولا يزال يتعين أن تصادق أعلى هيئة دستورية على فوزه وهو ما قد يحدث في غضون أيام قليلة.

وأجريت الانتخابات في مناخ هادئ، بعد 3 سنوات من الاضطرابات السياسية غير المسبوقة، والتي أثارت احتجاجات عنيفة مناهضة للحكومة، خصوصاً بعدما عمد الرئيس السنغالي إلى الإعلان عن تأجيل هذه الانتخابات، وعززت الاحتجاجات بشكل واضح حظوظ المعارضة في الفوز.

وقدم فاي نفسه بوصفه «خياراً للقطيعة» مع النظام، وصرّح في أعقاب الإدلاء بصوته أنّ «الشعب يختار بين الوصل والقطع»، وحث المتنافسين على تقبل الفائز، وقد هنّأ مرشح المعسكر الحاكم أمادو با الفائز في الانتخابات، واعتبر أنّ «الديمقراطية في السنغال هي المنتصرة».

وتؤكّد نتائج هذه الانتخابات حقيقتين اثنتين، فمن جهة، بدا أنّ التوجّه العام في إفريقيا وفي العالم عموماً، هو اكتساح التيّارات «الشعبوية» و«السيادية الوطنية» السلطة في عدد كبير من الدول، ومن ناحية ثانية يتّضح بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ عديد الدول الأفريقية مصرّة على فكّ ارتباطها مع المستعمر السابق، ولعلّ أبرز القوى الاستعمارية السابقة الذي ما انفكّت تخسر مواقعها في إفريقيا تحديداً هي فرنسا.

ومعلوم أنّ السنغال ارتبطت منذ استقلالها بفرنسا التي حافظت على مصالحها مع مختلف الحكومات التي تداولت على الحكم في هذا البلد الإفريقي.

ويعتبر الفائز في الانتخابات بسيرو ديوماي فاي من مؤسّسي تيار سياسي يؤمن باستقلالية القرار الوطني والإفريقي، وهو من أشدّ المعارضين للنخب التقليدية التي سيطرت على المشهد السياسي منذ استقلال السنغال عن فرنسا، ومن المطالبين بـ«القطيعة» مع التبعية للمستعمر السابق، وكذلك، من الجادّين في المطالبة بإيقاف العمل بعملة الفرنك غرب إفريقي.

وهذا الخطاب السياسي للرئيس السنغالي المنتخب يلقى رواجاً كبيراً في صفوف المواطنين وخصوصاً الشباب منهم.

واعتبرت صحيفة «لوموند» الفرنسية في مقال لها نشر الثلاثاء قبل الماضي «أنّ هذا الخطاب يتجاوز صداه حدود السنغال» ليشمل دولاً أخرى مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر. واعتبر المقال أنّ «المنطقة وصلت إلى نهاية مرحلة أرساها جيل رؤساء ما بعد الحقبة الاستعمارية»، وهي تغييرات تقدّر الصحيفة الفرنسية أنّها مرشّحة للتوسّع.

الصحافة الفرنسية تحدثت عن «تسونامي» هزّ السنغال والحال كما يذهب إلى ذلك عديد المراقبين، أنّ التسونامي موجود بالفعل، ولكنّه «زلزل مصالح فرنسا في عدد من دول المنطقة ومناطق أخرى».

فرنسا خسرت مواقع في منطقة غرب إفريقيا والساحل الإفريقي، وبدأت بخسارة حلفاء تاريخيين في شمال إفريقيا كالمغرب.

وخسرت مواقعها في منطقة الشرق الأوسط جرّاء مواقفها المساندة بالمطلق لإسرائيل وتخلّيها التدريجي عن خطّها الدبلوماسي التقليدي المتوازن الذي مكّنها على مدى الأحقاب من تمتين علاقتها بدول المنطقة ومن القيام بأدوار هامّة.

وتقدّر المعارضات في هذا البلد أنّ فرنسا تحت حكم الرئيس ايمانويل ماكرون خرجت عن ثوابت دبلوماسيتها التي أرسى دعائمها الزعيم الراحل شارل ديغول.

ولهذا السبب، خسرت دورها في المنطقة وخسرت ثقة دولها، ولا يبدو أنّها مدركة لخطورة هذا المنحى على مصالحها الاستراتيجية.

فرنسا خسرت إذاً مناطق نفوذها التقليدية في إفريقيا وفي غيرها من مناطق العالم، لأنّها لم تتمكّن من ملاءمة مصالحها مع مصالح الشعوب والمجتمعات الأخرى ولم تساعد هذه الدول والمجتمعات على تحقيق تنمية تضمن كرامة البشر واكتفت بربط العلاقات النفعية مع نخب سياسية أصبحت مع الوقت منبوذة في مجتمعاتها.

فرنسا وبحسب كلّ أحزاب المعارضة فيها بصدد خسارة مواقعها في أوروبا نتيجة مواقف من الحرب الروسية الأوكرانية كانت متردّدة حيناً وموغلة في الشدّة أحياناً أخرى.

مواقف ظاهرها البحث عن سلام ممكن وباطنها تعبئة لحروب قادمة، حتّى إنّ بعضهم تحدّث عن عملية هروب إلى الأمام «لا تخدم بالضرورة مصالح فرنسا الاستراتيجية».

إنّ العلاقات بين الدول تشهد إعادة تأسيس محورها الأساسي العودة القوية للهويات الوطنية والرفض التامّ لمخلّفات الاستعمار والمستعمِر وهو ما لا يبدو أنّ أغلب القوى التقليدية التاريخية مستوعبة له.