النقاش الدائر في المؤسَّسات الأمنية الأردنية وأروقة الحكومة لم يعد سراً بعد أن سرب على لسان أكثر من مسؤول (أعطي له الأمر بذلك عبر هاتف) عن مقترح سحب الجنسية من متظاهرين مؤيدين لغزة الجريحة، والتي تباد تحت أعين بعض من الأنظمة العربية، بحجة انتمائهم وولائهم لتنظيمات خارجية، وبدعم من إيران تحديداً. وإن تمت تلك الخطوة، فهي سيف ذو حدين، تمثل تهديداً ليس فقط لمن يعبث بالأمن القومي، بل تهدد أيضاً الصورة الجماهيرية لمؤسسة الحكم والدولة التي وقعت وتلتزم بتوجيهات الأمم المتحدة وتحترم حقوق الإنسان.

وبالطبع، لا قبول لأي تدخل في القرار السياسي الأردني وتشريعاته، ومجنون يجب معاقبته كل من تسول له نفسه ذلك، لكن أيضاً يجب أن يكون هذا التدبير سارياً ليس فقط على إيران بل على أميركا وبريطانيا وإسرائيل وغيرها من دول التدخل السريع في الشأن الأردني، وأبسطها على سبيل الذكر لا الحصر هو القاعدة العسكرية الأميركية التي تمرح وتشطح، دون أي قيد أو شرط أو التزام بمصالح الأردن، وقضية تغيير مناهج التربية والتعليم وحذف آيات من مادة الدين، وإلغاء تدريس صلاح الدين والقدس وقصص شهداء أبطال الأردن من العبيدات إلى السلطي بعد معاهدة وادي عربة، وغيرها من أمور معروفة لا مجال لسردها هنا، مما يشير إلى عدم استقلالية القرار الأردني بمجمله، وأن هناك ثغرات إن لم يكن أحياناً رضوخاً دون نقاش.

بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فإنَّ "الحق في الجنسية هو حق أساسي من حقوق الإنسان. ويضمن لكل فرد الحق في اكتساب جنسية وتغييرها والاحتفاظ بها. أمّا القانون الدولي فيقضي بأن حق الدول في أن تقرر من هم رعاياها ليس مطلقًا، وعليها أن تمتثل بشكل خاص لالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان في ما يتعلق بمنح الجنسية وفقدانها".

لماذا سحب "الجنسية" يهدد الدولة الأردنية؟
التساؤل لماذا يهدد هذا التدبير الدولة؟ ومن الإجابات التي حصلت عليها: لأن أبناء شرق الأردن يتواجدون في المظاهرات، وليس فقط أردنيون من أصول وطوائف تم تجنيسها مسبقاً، ولا يمكن بأي حال سحب جنسياتهم، ونستذكر أيام الملك الحسين أن منهم من رفع العلم السعودي في منطقة الجنوب، وكانوا يريدون الضم إلى السعودية.

وأقصد أن أبناء شرق الأردن هم أصحاب الأرض الأصليين اللذين بايعوا الشريف حسين ملكاً، وتنازلوا هم بإرادتهم عن الحكم للوافدين المطرودين من الحجاز (تاريخياً الحرب النجدية الحجازية أو الحرب السعودية الهاشمية الثانية 1924-1925 وتسليم جدة والخروج منها)، وقانونياً وعشائرياً وعرفاً البيعة هي وثيقة بين طرفين قابلة للتجديد أو عدم التمديد والإلغاء، مثلما حدث في مبايعة الملك عبد الله الجد المؤسس في مؤتمر أريحا ملكاً على الضفتين، وتم إلغاؤها من قبل أحد أطرافها. لذا، قانوناً، أي من أطراف الاتفاق أو البيعة له هذا الحق، وآمل ألا يستخدم تحت أي ذريعة، لأنَّ الهاشميين صمام الأمان في مجتمع بعض منه دموي.

والحق يقال هنا أن التقط الملك عبد الله الثاني بذكاء ذلك، فقام بزيارة البادية الشمالية مرتدياً الزي الأردني هو بمفرده ضمن من كانوا معه، ليؤكد ضمنياً أنه هو، وهو وحده، الضمان والأمان، وغيره ممن رافقوه ما هم إلا موظفين بأمرته، ليس لهم دور في الحل والربط، وجاء حضوره البهي بالعباءة والدشداش والغثرة الأردنية في زهو ورقي حاملاً رسالة التطمين، وطالباً الالتفاف حوله دون تصريح مباشر، مثلما زار أبناء العشائر أحفاد سلالة أبطال الأمة وقادتها العظام وقبائلها التي حافظت على تاريخ الأمة وبايعت الشريف حسين رحمة الله عليه.

وأكرر لماذا تهدد الدولة الأردنية؟ والرد لأن سقوط أو نجاح المقاومة في دفاعها المستميت عن حقها في أرضها الفلسطينية المغتصبة ينعكس على الساحة الأردنية ويبشر بسقوط بعض من الأنظمة العربية الموالية للنهج الصهيوني الأميركي، مما ينعكس علي التواجد الهاشمي ويهدده، وهو ما لا نصبو إليه ونحاربه بكل قوة، فلسطينيون وأردنيون معاً دون هوادة. وسحب الجنسية يزيد من الصداع السياسي والتصدع، ويلهم المتآمرين على الدولة بأفعال تشعل الفتنة والانقسامات، بما يخدم أجندات خارجية كانت ولا تزال تريد إخضاع الأردن، مثلما حدث في سوريا والعراق ولبنان ودول أخرى.

وأذكر هنا أن الأخطر في قانون الجنسية المادة 19 التي تنص على حق مجلس الوزراء في إلغاء شهادة التجنس بموافقة الملك، إذا أتى حاملها أو حاول أن يأتي بعمل يشكل خطراً على أمن الدولة وسلامتها، ما يفتح الباب على مصراعيه للتساؤل عن بقية أفراد عائلة من تسحب جنسيته، ووضعم، وهل سيغاردون المملكة، وإلى أين، و ما هي مسؤوليات الدولة تجاهم؟ وهو حديث المجتمع داخلياً وخارجياً بين مؤيد ومعارض، ومما سمعت أن الفلسطينيين يقاتلون ويستشهدون في غزة و هدمت بيوتهم وأصلاً لا يحملون جنسية أردنية إلا بعض منهم لا يتعدون العشرات، ولم يعد أحد مهتماً منهم بحمل الجنسية الأردنية في مثل تلك الظروف بقدر رغبته في الشهادة وتحرير وطنه فلسطين عن أي طريق، حتى لو بالتحالف مع الشيطان ، وأيضاً هناك معتدلون يرون أن دولاً كثيرة في هذا الزمن تمنح الجنسيات لمن يفقد جنسيته، من ضمنها كندا وأستراليا وبريطانيا وألمانيا والبرتغال وتركيا وغيرها تحت أسباب مختلفة، من اللجوء السياسي إلى الهجرة إلى الاستثمار.

قانونية سحب الجنسية في الأردن
وأود طرح مادة مستحدثة في الأردن تسمح بسحب وفقدان الجنسية للمواطن الأردني التي تعتمد على قانون الجنسية الأردنية وتعديلاته المعمول بها في المملكة الأردنية الهاشمية المادة 18 من الفصل الخامس، والتي تنص على:

أولاً: إذا انخرط شخص في خدمة عسكرية لدى دولة أجنبية، دون الحصول على ترخيص أو إذن من مجلس الوزراء الأردني، وأبى أن يترك تلك الخدمة عندما تكلفه حكومة المملكة الأردنية الهاشمية يفقد جنسيته (بالمناسبة، أحد وزراء الخارجية الأرنييين، رحمه الله، ومن أكفأهم، كان جندياً احتياطياً في البحرية الأميركية وحاملاً الجنسية الأميركية وقت حرب الخليج، ولم يهتم أحد بذلك أو يحاسبه، ولم يكن القانون معمولاً به!).

ثانياً: لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يعلن فقدان أي أردني جنسيته الأردنية إذا:

أ. انخرط في خدمة مدنية لدى دولة أخرى وأبى أن يترك تلك الخدمة عندما تكلفه حكومة المملكة الأردنية الهاشمية الخدمة فيها.

ب. انخرط في خدمة دولة معادية.

ج. إذا أتى أو حاول عملاً يعد خطراً على أمن الدولة وسلامتها (تم سحب الجنسيات ومصادرة الأموال من حركة الضباط الأحرار الأردنيين في خمسينيات القرن العشرين بسبب محاولة الانقلاب على الملك الحسين، وعندما صدر العفو العام، أعيدت إليهم جنسياتهم وجوازاتهم، وبعد فترة من الزمن تم استقطاب أبنائهم وتوزيرهم في خطة وضعها جهاز المخابرات الأردني بكل نجاح ودهاء).

الإجراءات المفترض اتباعها قانونياً لسحب الجنسية:
تقديم طلب أو اتخاذ قرار: يمكن أن تبدأ عملية سحب الجنسية بتقديم طلب من قبل السلطات المعنية أو اتخاذ قرار من قبل هذه السلطات، مثل وزارة الداخلية أو دائرة الاحوال المدنية الخاصة بالهوية والجنسية.

التحقق من الأسباب والشروط: يتم تقييم الحالة بناءً على الأسباب المحددة في القانون، ويجب توفير الأدلة والوثائق اللازمة لدعم هذه الأسباب، مثل الحكم بارتكاب جريمة جنائية جسيمة أو المشاركة في العمليات الإرهابية أو تهديد أمن الدولة.

إخطار الفرد: يجب عادةً أن يتم إخطار الفرد المعني بقرار سحب الجنسية وتوضيح الأسباب والمبررات لهذا القرار.

فرصة للاستئناف: في كثير من الحالات، يحق للفرد المعني تقديم استئناف ضد قرار سحب الجنسية. يجب توفير إجراءات استئنافية منصفة وفعالة للفرد.

النظر في استئناف الفرد: يتم فحص الاستئناف المقدم من قبل الفرد والنظر في الأدلة والمبررات المقدمة.

اتخاذ قرار نهائي: بناءً على الأدلة والاستئناف والنقاشات، يتخذ القرار النهائي بالموافقة على سحب الجنسية أو رفضه.

تنفيذ القرار: في حالة الموافقة على سحب الجنسية، تتم الإجراءات اللازمة لتنفيذ القرار، مثل إلغاء جواز السفر وتحديث السجلات.

إشعار الجهات المعنية: يتم إشعار الجهات المعنية بسحب الجنسية، مثل الجهات الأمنية والجوازات والهجرة، لتحديث سجلاتها.

من المهم التأكد من أنَّ الإجراءات القانونية لسحب الجنسية تتبع إجراءات قانونية نزيهة ومتوازنة وتحترم حقوق الفرد. يجب أن تكون هناك فرصة للفرد للدفاع عن نفسه وتقديم استئناف إذا كان هناك تشكيك في القرار، وبلا أدنى شك ستشهد المحاكم الأردنية قضايا غير سهلة إذا ما تم سحب الجنسيات.

في النهاية، لا بد من التأكيد على مصلحة الأردن أولاً وأخيراً، والحفاظ والحرص عليها، لأن الأردن للأردنيين، وما ينادي به الأردنيون هو بمثابة الإنجيل السياسي للدولة الأردنية على الجميع تقديسه واحترامه، والالتفاف حوله من رأس الهرم إلى القاعده الشعبية.